سورة إبراهيم - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (إبراهيم)


        


{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ (32) وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ (33) وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34)}
{الله} مبتدأ، و{الذى خَلَقَ} خبره، و{مِنَ الثمرات} بيان للرزق، أي: أخرج به رزقاً هو ثمرات. ويجوز أن يكون {مِنَ الثمرات} مفعول أخرج، و{رِزْقاً} حالاً من المفعول، أو نصباً على المصدر من أخرج، لأنه في معنى رزق {بِأَمْرِهِ} بقوله كن {دآئِبَينَ} يدأبان في سيرهما وإنارتهما ودرئهما الظلمات، وإصلاحهما ما يصلحان من الأرض والأبدان والنبات {وَسَخَّر لَكُمُ الَّيْلَ والنَّهَارَ} يتعاقبان خلفة لمعاشكم وسباتكم {وءاتاكم مِّن كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ} من للتبعيض، أي آتاكم بعض جميع ما سألتموه، نظراً في مصالحكم. وقرئ: {من كلّ} بالتنوين، وما سألتموه نفي ومحله النصب على الحال أي: آتاكم من جميع ذلك غير سائليه، ويجوز أن تكون {مَا} موصولة، على: وآتاكم من كل ذلك ما احتجتم إليه ولم تصلح أَحوالكم ومعايشكم إلا به، فكأنكم سألتموه أو طلبتموه بلسان الحال {لاَ تُحْصُوهَا} لا تحصروها ولا تطيقوا عدها وبلوغ آخرها، هذا إذا أرادوا أن يعدوها على الإجمال. وأمّا التفصيل فلا يقدر عليه ولا يعلمه إلا الله {لَظَلُومٌ} يظلم النعمة بإغفال شكرها {كَفَّارٌ} شديد الكفران لها.
وقيل ظلوم في الشدّة يشكو ويجزع، كفار في النعمة يجمع ويمنع. والإنسان للجنس، فيتناول الإخبار بالظلم والكفران من يوجدان منه.


{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آَمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (36)}
{هذا البلد} يعني البلد الحرام، زاده الله أمناً، وكفاه كل باغ وظالم، وأجاب فيه دعوة خليله إبراهيم عليه السلام {ءَامِناً} ذا أمن.
فإن قلت: أي فرق بين قوله: {اجعل هذا بَلَدًا آمِنًا} [البقرة: 126] وبين قوله: {اجعل هذا البلد ءَامِنًا}؟ قلت: قد سأل في الأوّل أن يجعله من جملة البلاد التي يأمن أهلها ولا يخافون، وفي الثاني أن يخرجه من صفة كان عليها من الخوف إلى ضدها من الأمن، كأنه قال: هو بلد مخوف، فاجعله آمناً {واجنبنى} وقرئ: {وأجنبني}، وفيه ثلاث لغات: جنبه الشر، وجنبه، وأجنبه؛ فأهل الحجاز يقولون: جنبني شره بالتشديد، وأهل نجد جنبني وأجنبني، والمعنى: ثبتنا وأدمنا على اجتناب عبادتها {وَبَنِىَّ} أراد بنيه من صلبه وسئل ابن عيينة: كيف عبدت العرب الأصنام؟ فقال: ما عبد أحد من ولد إسماعيل صنماً، واحتج بقوله: {واجنبني وبني} {أَن نَّعْبُدَ الأصنام} إنما كانت أنصاب حجارة لكل قوم، قالوا: البيت حجر، فحيثما نصبنا حجراً فهو بمنزلة البيت، فكانوا يدورون بذلك الحجر ويسمونه الدوار، فاستحب أن يقال: طاف بالبيت، ولا يقال: دار بالبيت {إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مّنَ الناس} فأعوذ بك أن تعصمني وبنيَّ من ذلك، وإنما جعلن مضلات؛ لأنّ الناس ضلوا بسببهنّ، فكأنهنّ أضللنهم، كما تقول: فتنتهم الدنيا وغرّتهم، أي افتتنوا بها واغتروا بسببها {فَمَن تَبِعَنِى} على ملتي وكان حنيفاً مسلماً مثلي {فَإِنَّهُ مِنِّى} أي هو بعضي لفرط اختصاصه بي وملابسته لي، وكذلك قوله: «من غشنا فليس منا» أي ليس بعض المؤمنين، على أنّ الغش ليس من أفعالهم وأوصافهم {وَمَنْ عَصَانِى فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} تغفر له ما سلف منه من عصياني إذا بدا له فيه واستحدث الطاعة لي. وقيل: معناه ومن عصاني فيما دون الشرك.


{رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37)}
{مِن ذُرّيَّتِى} بعض أولادي وهم إسماعيل ومن ولد منه {بِوَادٍ} هو وادي مكة {غَيْرِ ذِى زَرْعٍ} لا يكون فيه شيء من زرع قط، كقوله: {قُرْءَاناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِى عِوَجٍ} [الزمر: 28] بمعنى لا يوجد فيه اعوجاج، ما فيه إلا الاستقامة لا غير.
وقيل للبيت المحرم، لأنّ الله حرم التعرض له والتهاون به، وجعل ما حوله حرماً لمكانه، أو لأنه لم يزل ممنعاً عزيزاً يهابه كل جبار، كالشيء المحرم الذي حقه أن يجتنب، أو لأنه محترم عظيم الحرمة لا يحل انتهاكها، أو لأنه حرّم على الطوفان أي منع منه، كما سُمي عتيقاً لأنه أعتق منه فلم يستول عليه {لِيُقِيمُواْ الصلاة} اللام متعلقة بأسكنت، أي: ما أسكنتهم هذا الوادي الخلاء البلقع من كل مرتفق ومرتزق، إلا ليقيموا الصلاة عند بيتك المحرم، ويعمروه بذكرك وعبادتك وما تعمر به مساجدك ومتعبداتك، متبركين بالبقعة التي شرفتها على البقاع، مستسعدين بجوارك الكريم، متقربين إليك بالعكوف عند بيتك، والطواف به، والركوع والسجود حوله، مستنزلين الرحمة التي آثرت بها سكان حرمك {أَفْئِدَةً مِّنَ الناس} أفئدة من أفئدة الناس، ومن للتبعيض، ويدل عليه ما روي عن مجاهد: لو قال أفئدة الناس لزحمتكم عليه فارس والروم، وقيل: لو لم يقل {مِّنَ} لازدحموا عليه حتى الروم والترك والهند ويجوز أن يكون {مِّنَ} للابتداء، كقولك: القلب مني سقيم، تريد قلبي، فكأنه قيل: أفئدة ناس، وإنما نكرت المضاف إليه في هذا التمثيل لتنكير أفئدة، لأنها في الآية نكرة ليتناول بعض الأفئدة. وقرئ: {آفدة}، بوزن عاقدة. وفيه وجهان، أحدهما: أن يكون من القلب كقولك: آدر، في أدؤر.
والثاني: أن يكون اسم فاعلة من أفدت الرحلة إذا عجلت، أي جماعة أو جماعات يرتحلون إليهم ويعجلون نحوهم. وقرئ: {أفدة}، وفيه وجهان: أن تطرح الهمزة للتخفيف، وإن كان الوجه أن تخفف بإخراجها بين بين. وأن يكون من أفد {تَهْوِى إِلَيْهِمْ} تسرع إليهم وتطير نحوهم شوقاً ونزاعاً من قوله:
يَهْوِي مَخَارِمَهَا هُوِىَّ الأَجْدَلِ ***
وقرئ: {تُهْوَى إليهم}، على البناء للمفعول، من هوى إليه وأهواه غيره. وتهوى إليهم، من هوى يهوي إذا أحب، ضمن معنى تنزع فعدّى تعديته {وارزقهم مّنَ الثمرات} مع سكناهم وادياً ما فيه شيء منها، بأن تجلب إليهم من البلاد {لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} النعمة في أن يرزقوا أنواع الثمرات حاضرة في واد يباب ليس فيه نجم ولا شجر ولا ماء لا جرم أن الله عز وجلّ أجاب دعوته فجعله حرماً آمناً تجبى إليه. ثمرات كل شيء رزقاً من لدنه، ثم فضله في وجود أصناف الثمار فيه على كل ريف وعلى أخصب البلاد وأكثرها ثماراً، وفي أي بلد من بلاد الشرق والغرب ترى الأعجوبة التي يريكها الله بواد غير ذي زرع، وهي اجتماع البواكير والفواكه المختلفة الأزمان من الربيعية والصيفية والخريفية في يوم واحد، وليس ذلك من آياته بعجيب، متعنا الله بسكنى حرمه، ووفقنا لشكر نعمه، وأدام لنا التشرف بالدخول تحت دعوة إبراهيم عليه السلام، ورزقنا طرفاً من سلامة ذلك القلب السليم.

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10